فصل: ذكر أيام مروان بن محمد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله:

وبويع عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، ويكنى أبا حفص وأمه أم عاصم ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب في اليوم الذي توفي فيه سليمان، فوجه إلى مسلمة فأقفله عن حصار القسطنطينية، وقد ذكرنا مدة ما أقام عليها محاصراً لها فيما سلف من هذا الكتاب في أخبار الروم بعد ظهور الإسلام في ملك تيدوس المعروف بالأرمني وتوفي عمر بدير سمعان من أعمال حمص مما يلي قنسرين مسموماً فيما قيل من قبل أهله يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة 101 وله تسعة وثلاثون سنة وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام، وكان أسمر، حسن الوجه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين، بوجهه أثر من نفح دابة رمحته في صباه قد وخطه الشيب، ومات ولم يخضب.
وكان فاضلاً يؤثر الدين على الدنيا، ويعمل عمل من يخاف يومه ويرجو غده ويقر بتدينه لما يجري أهله عليه وكان كاتبه ليث بن أبي رقية وتقش خاتمه لكل عمل ثواب وقيل عمر يؤمن بالله مخلصاً وعلى قضائه عبد الله بن سعد الأيلي، وحاجبه مزاحم مولاه، وقيل حسين.

.ذكر أيام يزيد بن عبد الملك:

وبويع يزيد بن عبد الملك بن مروان، ويكنى أبا خالد، وأمه عاتكة ابنة يزيد بن معاوية في اليوم الذي توفي فيه عمر، وتوفي بأرض البلقان من أعمال دمشق يوم الجمعة لخمس ليال بقين من شعبان سنة 105، وهو ابن تسع وثلاثين سنة، فكانت أيامه أربع سنين وشهراً.
وكان طويلاً جسيماً أبيض مدور الوجه لم يشب، فتى الشباب شديد الفخر ظاهر الكبر، يحب اللهو، ويستعمل الحجاب، لا يعرف صواباً فيأتيه، ولا خطأ فيدعه وكتب له أسامة بن زيد السليحي وزيد بن عبد الله وكان نقش خاتمه قنى الحساب وحاجبه سعيد مولاه، وقيل خالد.
وكان في أيامه من الكوائن العظيمة في الملك خلع يزيد بن المهلب بن أبي صفرة إياه، واسم أبي صفرة ظالم بن سراق بن صبح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد، واسمه دراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
وكان يزيد في سجن عمر بن عبد العزيز يطالبه بالأموال التي كان يزيد كتب بها إلى سليمان بن عبد الملك، أنها صارت إليه عند فتحه جرجان وطبرستان، فلما مات عمر وذلك في رجب سنة 101، هرب يزيد من السجن وصار إلى البصرة، وعليها عدي بن أرطاة الفزاري، وكان قد سجن عدة إخوة ليزيد حين بلغه مسيره إليه فسامه يزيد تخليتهم فأبى، واجتمع إلى يزيد جمع عظيم وبذل الأموال فكثر تبعه، وسار إلى عدي فقبض عليه وسجنه وغلب على البصرة والأهواز وفارس وكرمان، وخلع يزيد بن عبد الملك، فندب يزيد للقائه أخاه مسلمة بن عبد الملك، وابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك في جيوش كثيفة، وخرج يزيد بن المهلب عن البصرة في جموع كثيفة عظيمة، فالتقوا بالعقر من أرض بابل فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل يزيد وعدة من إخوته في جمع من أهل العراق وانهزم الباقون، وذلك في سنة 102، وقيل إن الذي تولى قتل يزيد القحل بن عياش بن حسان بن سمير بن شراحيل بن عرين بن أبي جابر بن زهير بن جناب، وفي ذلك يقول المسيب بن الرفل الكلبي مفتخراً:
قتلنا يزيد بن المهلب بعد ما ** تمنيتم أن يغلب الحق باطله

فما كان من أهل العراق منافق ** عن الدين إلا من قضاعة قاتله

وقال رفيع بن أزير الأسدي في مقتله مخاطباً يزيد بن عبد الله بن مروان:
إليك أمير المؤمنين مسيرنا ** على المقربات والمحذفة والبتر

نزيد أمير المؤمنين بأرضه ** رءوساً جناها بين بابل والعقر

ولاقى يزيد بن المهلب باكراً ** من الموت ساقته الحتوف وما يدري

وركب من بقي من آل المهلب وأتباعهم السفن حتى صاروا إلى قندابيل من أرض السند فوجه مسلمة هلال بن أحوز المازني لأتباعهم، فلحقهم بها، فقتل منهم جمعاً وأسر الباقين، فكان المهلب عند وفاته استخلف يزيد بن المهلب على عمله وأمر سائر إخوته بالسمع والطاعة له.
وكانت وفاة المهلب بمرو الروزمن أرض خراسان في ذي الحجة سنة 83 وهو على إمرتها يومئذ، وفيه يقول نهار بن توسعة التميمي:
ألا ذهب العز المقرب للتقى ** ومات الندى والجود بعد المهلب

أقاما بمرو الروز وهني ضريحه ** فقد غيبا عن كل شرق ومغرب

.ذكر أيام هشام بن عبد الملك:

وبويع هشام بن عبد الملك بن مروان، ويكنى أبا الوليد وأمه أم هشام بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي في اليوم الذي توفي فيه يزيد، وتوفي بالرصافة من أرض قنسرين مما يلي البر يوم الأربعاء لست ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة 125، وله ثلاث وخمسون سنة وكانت ولايته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وإحدى عشرة ليلة، وكان أبيض إلى الصفرة ما هو، أحول شديد انقلاب العين، يخضب لحيته بالسواد، ربعة من الرجال، حسن البدن خشن الجانب، شكس الأخلاق، دقيق النظر، جامعاً للأموال، قليل البذل للنوال، متيقظاً في سلطانه، سائساً لرعيته، مباشراً للأمور بنفسه، لا يغيب عنه شيء من أمر مملكته وكتب له محمد بن عبد الله بن حارثة الأنصاري، وأسامة بن زيد السليحي، وسالم مولى سعيد بن عبد الملك وكان نقش خاتمه الحكم الحكيم وعلى قضائه محمد بن صفوان الجمحي، ونمير بن أوس الأشعري، وحاجبه غالب مولاه.
وفي السنة السابعة عشرة من ولايته وهي سنة 122، كان ظهور زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب بالكوفة في نفر يسير، وعليها يوسف بن عمر الثقفي، وقد كان بايعه خلق كثير، ثم قعدوا عنه ولم يفوا له، فلقيه يوسف ابن عمر في جموع عظيمة، فقاتلهم زيد قتالاً شديداً إلى أن قتل ومن معه في صفر من هذه السنة وصلب بالكناسة.

.ذكر أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك:

وبويع الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويكنى أبا العباس، وأمه أم الحجاج ابنة محمد بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي في الوقت الذي هلك فيه هشام فقدم نزار واستبطنها، وجفا اليمن وأطرحها، واستخف بأشرافها، وعمد إلى خالد القسري، وهو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله ابن عبد شمس بن غمغمة بن جرير بن شق الكاهن بن صعب بن يشكر بن رهم ابن أفرك بن أفصى بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار، وكان رئيس اليمينية في وقته المنظور إليه منهم، وكان على العراق وما يليه من الأهواز وفارس والجبال وأخوه أسد بن عبد الله على خراسان، فدفعه إلى يوسف بن عمر الثقفي عامله على العراق، فحمله إلى الكوفة وعذبه حتى قتله.
وقال الوليد: عند ذلك يوبخ اليمن ويقرعها ويذكر خالداً ويفتخر بنزار في قصيدة له طويلة أولها:
ألم تهتج فتدكر الوصالا ** وحبلاً كان متصلاً فزالا

وهذا خالد فينا أسيراً ** ألا منعوه إن كانوا رجالا

عميدهم وسيدهم قديماً ** جعلنا المخزيات له ظلالا

وتتابعت من الوليد فعال أنكرها الناس عليه، فدب يزيد بن الوليد في الدعاء إلى خلعه فأجابته اليمن بأسرها، وعاضدوه ووثبوا معه على عامل الوليد بدمشق فأجابوه وبايعوا يزيد، ثم ساروا إلى الوليد وهو في الحصن المعروف بالبخراء مما يلي البر بين حمص ودمشق فقتلوه، وذلك يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة 126 وله اثنان وأربعون سنة، فأخذوا بنيه وليي عهده الحكم، وعثمان، فقتلا بعد ذلك بدمشق مع يوسف بن عمر الثقفي. فقال الأصبغ بن ذؤالة الكلبي في ذلك:
من مبلغ قيساً خندف كلها ** وساداتها من عبد شمس وهاشم

قتلنا أمير المؤمنين بخالد ** وبعنا وليي عهده بالدراهم

وقال خلف بن خليفة البجلي:
تركنا أمير المؤمنين بخالد ** مكباً على خيشومه غير ساجد

وإن سافر القسري سفرة هالك ** فإن أبا العباس ليس بعائد

أقرى معه الهوان فإننا ** قتلنا أمير المؤمنين بخالد

.ذكر أيام مروان بن محمد:

وبويع مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، ويكنى أبا عبد الله وأبا عبد الملك وأمه أم ولد، يقال لها زبادة، كانت لإبراهيم بن الأشتر النخعي، فصارت إلى محمد ابن مروان يوم قتل إبراهيم، وإبراهيم على مقدمة مصعب بن الزبير، ومحمد على مقدمة أخيه عبد الملك بن مروان، وقيل إنها كانت حاملاً من إبراهيم، فجاءت بمروان على فراش محمد بن مروان، وكانت بنو أمية تكره أن تولي الخلافة أبناء أمهات الأولاد لأنها كانت ترى أن ذهاب ملكها على يدي ابن أمة فكان ذلك مروان بن محمد، وكانت البيعة له يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من صفر سنة 127، ونزل حران من أرض الجزيرة.
وكان جميع من ملك من قبله من بني أمية ينزلون دمشق، ومنهم من كان يتبدى، وكانت أيامه كلها فتناً وحروباً، ولم تصف له الأمور، وخالفه أهل حمص وخلعوا طاعته، فحصرهم وحاربهم دفعة بعد أخرى، وخلعه أهل مصر إلى أن سير إليهم الجنود، فعادوا إلى طاعته، وخالفه بنو هشام بن عبد الملك سليمان وأبان وغيرهما مع من انضاف إليهم من بني أمية وحاربوه مرة بعد أخرى، وخالفه ثابت بن نعيم الجذامي، وأجابه كثير من أجناد الشأم كفلسطين وغيرها.
وغلب الضحاك بن قيس الشيباني من بني المحلم بن ذهل بن شيبان الخارجي الصفري على العراق، ولم يغلب أحداً من الخوارج قبله ولا بعده عليهما، وسار للقاء مروان في جيوش عظيمة ومعه سليمان بن هشام بن عبد الملك في جمع مواليه ورجاله مؤتماً بالضحاك تابعاً له، وفي ذلك يقول بعض شعراء الخوارج مفتخراً:
ألم تر أن الله أنزل نصره ** وصلت قريش خلف بكر بن وائل

فالتقيا بكفر توثا من بلاد الجزيرة، وأقاموا يقتتلون أياماً كثيرة في سنة 129 وسارت الخوارج الإباضية من اليمن من قبل عبد الله بن يحيى الكندي الملقب طالب الحق، عليهم أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي، وبلج بن عقبة، فنزلوا مكة يوم عرفة من هذه السنة، ووادعهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان عامله مكة إلى انقضاء الحج ثم هرب وخلاها وسار إلى المدينة، ودخلت الخوارج مكة فجهز عبد الواحد للقائهم جيشاً، أمر عليهم عبد العزيز بن عبد الله ابن عمرو بن عثمان، وخرجت الخوارج من مكة، فالتقوا بقديد في صفر سنة 130 فقتل عبد العزيز في جمع كثير منهم، من أهل المدينة سبعمائة أكثرهم من قريش، ولم ينج إلا الشريد، فقالت نائحتهم:
ما للزمان وماليه ** أفنت قديد رجاليه

فلأبكين سريرة ** لأبكين علانية

ودخلت الخوارج المدينة، فغلبوا عليها ثلاثة أشهر، فوجه مروان للقائهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي، سعد بن بكر بن هوازن في أربعة آلاف فالتقوا بوادي القرى، فقتل بلج وأكثر الخوارج، ونجا أبو حمزة، فصار إلى مكة، ولحقه عبد الملك فقتله بها وجمعاً من أصحابه، ولحق بقيتهم بعبد الله بن يحيى، وسار عبد الملك إلى اليمن، فلقيه عبد الملك بن يحيى بنواحي صنعاء فاقتتلا قتالاً شديداً، فقتل عبد الله وأكثر من كان معه، وذلك في هذه السنة.
واشتد أمر أبي مسلم الخراساني، وأخرج نصر بن سيار عامل مروان عنها، وسير قحطبة بن شبيب الطائي في جيوش كثيفة، فقتل نباتة بن حنظلة الكلابي عامل مروان على جرجان في نحو من ثلاثين ألفاً، وعامر بن ضبارة المري بأصبهان في نحو من أربعين ألفاً، وسار في جيوشه نحو العراق، وسار يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري عامل مروان للقائه، فالتقيا بالفرات مما يلي الكوفة، فهزم ابن هبيرة وغرق قحطبة وسارت المسودة إلى الكوفة فبايعوا لأبي العباس السفاح.
وسار عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس عم السفاح في جمع غفير عظيم للقاء مروان.
وسار مروان في جيوش عظيمة وجموع مهولة وعدد كثيرة، فالتقيا بالزاب من أرض الموصل يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة 132، فهزم مروان واستولى على عسكره، وقتل من أصحابه جمع عظيم، فسار حتى أتى الشأم والجيوش تتبعه، فصار إلى مصر فقتل ببوصير الأشمونين من صعيدها ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة من هذه السنة وله سبعون سنة، وقيل أقل من ذلك.
وكانت أيامه إلى أن قتل خمس وسنين وعشرة أشهر وأحد عشر يوماً.
وكان شديد الشهلة، أبيض مشرباً حمرة، ضخم الهامة، والمنكبين، كبير اللحية، وكان مجرباً صابراً على التعب والنصب، يغري بين القبائل، ويغضب بين العشائر، يلقي أموره وهي مدبرة، ويريد أن يجعلها مقبلة. واصطفى قيس عيلان وانحرف عن اليمن، وبادأها العداوة فصارت عليه إلباً، وله حرباً وكان كاتبه عبد الحميد بن يحيى بن سعد بن عبد الله بن جابر بن مالك بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب.
وكان مفوهاً بليغاً له رسائل مجموعة متناقلة يقتدى بها ويعمل عليها، ورأيت له عقباً بفسطاط مصر، يعرفون ببني مهاجر، وقد كان منهم عدة يكتبون لآل طولون.
ونقش خاتمه فوضت أمري إلى الله، وعلى قضائه عثمان بن عمرو البتي، وحاجبه صقلاب مولاه.
قال المسعودي أبو الحسن علي بن الحسين بن علي: وكانت مدة ملك بني أمية على ما قدمنا من التاريخ منذ صالح الحسن بن علي معاوية، وسلم له الأمر إلى أن قتل مروان بن محمد آخر ملوكهم إحدى وتسعين سنة وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يوماً، وتنازع أصحاب السير والتواريخ ومن عني بأخبار ملوك العالم في زيادة شهور وأيام في مدتهم ونقصانها عما ذكرنا والأشهر من ذلك ما قدمنا وكذلك باين هؤلاء أصحاب كتب الزيجة في النجوم فيما ذكروه في كتب زيجاتهم ورسموه من مقادير أيامهم، وقد أتينا على ما قاله كل فريق منهم في مقادير أيامهم وأيام من كان من بعدهم إلى وقتنا هذا وهو سنة 345 في كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر، في تحف الأشراف من الملوك وأهل الدرايات وفي كتاب فنون المعارف، وما جرى في الدهور السوالف وفي كتاب الاستذكار، لما جرى في سالف الأعصار الذي كتابنا هذا تال له ومبني عليه وإنما الغرض من هذا الكتاب إيراد لمع من ذلك دون الشرح والإيضاح ليسهل درسه على قارئه ويقرب حفظه على راويه:

.ذكر ما جرت عليه أحوال بني أمية بعد قتل مروان بن محمد وتفرقهم في البلاد، وسبب تملك عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام على بلاد الأندلس وولده إلى وقتنا هذا وما اتصل بذلك:

لما قتل مروان بن محمد بن مروان، تفرقت بنو أمية في البلاد، هرباً بأنفسهم، وقد كان عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب قتل منهم على نهر أبي فطرس، من بلاد فلسطين، نحواً من ثمانين رجلاً مثلة، واحتذى أخوه داود بن علي بالحجاز فعله، فقتل منهم نحواً من هذه العدة بأنواع المثل، وكان مع مروان حين قتل ابناه عبد الله وعبيد الله، وكانا وليي عهده فهربا فيمن تبعهما من أهلهما ومواليهما وخواصهما من العرب، ومن انحاز إليهم من أهل خراسان من شيعة بني أمية فساروا إلى أسوان من صعيد مصر، وساروا على شاطئ النيل إلى أن دخلوا أرض النوبة وغيرهم من الأحابش، ثم توسطوا أرض البجة ميممين باضع من ساحل بحر القلزم، فكانت له من مروا به من هذه الأمم، حروب ومغاورات، ونالهم جهد شديد وضر عظيم، فهلك عبيد الله بن مروان في عدة من كان معهم قتلاً وعطشاً وضراً، وشاهد من بقي منهم أنواع الشدائد وضروب العجائب ووقع عبد الله بن مروان في عدة ممن نجا معه إلى باضع من ساحل المعدن وأرض البجة، وقطع البحر إلى جدة من ساحل مكة، وتنقل فيمن نجا معه من أهله ومواليه في البلاد متسترين راضين أن يعيشوا سوقةً بعد أن كانوا ملوكاً، فظفر بعبد الله أيام أبي العباس السفاح فأودع السجن، فلم يزل فيه بقية أيام أبي العباس وأيام المنصور والمهدي والهادي، فأخرجه الرشيد، وهو شيخ ضرير، فسأله عن خبره. فقال: يا أمير المؤمنين، حبست غلاماً بصيراً، وأخرجت شيخاً ضريراً، فقيل إنه هلك في أيام الرشيد وقيل بل في أيام الأمين.
كان عامل إفريقية لمروان عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وكان كاتب مروان وهو بمصر ورغبه في المصير إليه وذكر له كثرة جنوده وعدده ومنعة بلاده ثم تعقب الرأي فعلم أن مروان إن قدم صار كأحد أتباعه وجنوده وأن من وراءه المسودة يتبعونه، فكتب إلى مروان يعرفه كراهية من قبله من الجنود لذلك فعوجل، فقطع النيل ومضى إلى الصعيد فقتل هناك، وقيل إن كتاب عبد الرحمن الذي يستدعيه فيه جاءه، وقد قطع النيل إلى الجانب الغربي لمعاجلة المسودة إياه، ودخولهم فسطاط مصر، فمضى إلى بوصير الأشمونين من صعيد مصر ليصير إلى إفريقية على طريق الواحات، فبادرته المسودة بالعبور إليه.
وقدم على عبد الرحمن بن حبيب بعد قتله جماعة من بني أمية يرجون الأمر في بلاده منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، ولؤي، والعاص ابنا الوليد بن يزيد فبلغ عبد الرحمن عن ابني الوليد شيء أنكره، ففتك بهما فاشتد خوف عبد الرحمن بن معاوية منه فهرب وقطع المجاز الذي بين أفريقية والأندلس، الآخذ من بحر أوقيانس المحيط إلى بحر الرومي وصار إليها وعاملها يوسف بن عبد الرحمن الفهري وقد عظم الخطب من العصبية بين من بها من اليمانية والنزارية، ودامت عدة سنين، فطمع في الغلبة عليها، وكاتب اليمانية ودعاهم إلى نفسه، وسير بدراً مولاه إليهم، فبايعوه وسارعوا إلى طاعته وسرّوا بقدومه وبلغ يوسف بن عبد الرحمن أمره فسار إليه في النزارية وغيرهم من أنصاره فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزم يوسف بن عبد الرحمن وقتل أصحابه قتلاً ذريعاً وذلك في سنة 139 واستولى عبد الرحمن على بلاد الأندلس، وهو صقع جليل، ومملكة عظيمة، يكون مسيرته نحواً من أربعين يوماً في مثلها، فيه مدن كثيرة وعمائر متصلة واستقام له الأمر بعد أن بذل السيف في مخالفته، فاستوسق الجميع على طاعته، لم يكن خطب لأحد من بني العباس بالأندلس إلى ذلك الوقت، ولأجل ذلك أفردنا هذا الباب لتسمية ملكها إذ كانت مملكة مفردة لبني أمية، ورسوماً قائمة إلى هذا الوقت ويم يتبدل ولم ينتقل، فملك عبد الرحمن بلاد الأندلس ثلاثاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر.
وكانت وفاته غرة جمادى الأولى سنة 172 فولى بعده ابنه هشام بن عبد الرحمن بن معاوية، سبع سنين وتسعة أشهر، وكانت وفاته في صفر سنة 180.
فولي بعده الحكم بن هشام بن عبد الرحمن، سبعاً وعشرين سنة وشهراً وخمسة وعشرين يوماً، وتوفي لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 206.
فولي بعده ابنه عبد الرحمن بن الحكم بن هشام، اثنتين وثلاثين سنة، وأربعة أشهر، وتوفي في ربيع الآخر سنة 238 فولي بعده ابنه محمد بن عبد الرحمن بن الحكم، أربعاً وثلاثين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوماً، وتوفي لليلة بقيت من صفر سنة 273 فولي بعده ابنه المنذر بن محمد بن عبد الرحمن سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً. وتوفي للنصف من صفر 275 فولي بعده أخوه عبد الله بن عبد الرحمن، خمساً وعشرين سنة، وخمسة عشر يوماً، وتوفي مستهل ربيع الأول سنة 300.
فولي بعده ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ابن مروان إلى وقتنا هذا وهو سنة 345 خمساً وأربعين سنة، وبلده عامر، والعدل فيه شامل ولم يكن فيمن سمينا من آبائه ممن ملك الأندلس أحد يسمى بأمرة المؤمنين وكانوا يسمون بني الخلائف إلى أن ملك هو فخوطب بها، وصدرت عنه الكتب بذلك ووردت، وخطب له به على المنابر، وجعل ولاية العهد بعده لابنه الحكم بن عبد الرحمن دون سائر إخوته، لما تخيل فيه من النجابة، وتبين من اضطلاعه بالملك وقيامه به قال المسعودي وقد ذكرنا في الأخبار المعروفة بالمسعوديات التي نسبت إلينا وفي كتاب وصل المجالس جملاً من أخبار من سمينا من ولاة الأندلس وسياستهم وحروبهم مع من يجاورهم من الجلالقة والناسقس والوشكنش وقرمانيش وغوطس وغيرهما من الإفرنجية براً وبحراً.
وما كان من الأندلس من الحروب والفتن مذ افتحها طارق مولى موسى ابن نصير في سنة 92 في أيام الوليد بن عبد الملك إلى وقتنا هذا، وعبور طارق مولى موسى إليها، وقتله لذريق ملك الإشبان الذين كانوا بالأندلس، وعبور موسى بن نصير بعده، وما لقي من الأمم، وشاهد من العجائب وخبر المائدة الذهب، والبيت الذي كان فيه تيجان ملوكهم السالفة.
وذكرنا في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف ما كان ببلاد أفريقية من الحروب والوقائع والزحوف منذ افتتحت، وخبر موسى بن نصير، ومن بها كان بعده من الأمراء إلى أن أفضى أمر تملكها في أيام الرشيد إلى إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن تميم بن سوادة التميمي، وخبره وخبر ولده من بعده إلى أن زال الأمر عنهم باستيلاء أبي عبد الله الشيعي الداعية المعروف بالمحتسب على ممكتهم، وخروجه في كتامة من البربر، وما كان بينه وبين آل الأغلب من الوقائع والزحوف، وتسليمه الأمر إلى عبيد الله، وقتل عبيد الله إياه.
وما كان من خبره بعد ذلك وبنائه مدينة المهدية وتسييره الجيوش إلى بلاد مصر للاستيلاء عليها مرة بعد أخرى، وذلك في سنة 302، ووفاته ومصير الأمر بعده إلى أبي القاسم عبد الرحمن وخروج أبي زيد مخلد بن كيداد البربري الزناتي من بني يفرن الإباضي، ثم النكاري في الإباضية وغيرهم، وما كان بينهم وبين جيوش أبي القاسم من الوقائع والحروب ومن قتل منهم إلى أن غلب على أكثر إفريقية، وحصاره أبا القاسم في المهدية إلى أن مات بها.
وخروج ابنه إسماعيل بن أبي القاسم ومواقعته أبا يزيد، وما كان بينهم من الحروب، وانفضاض الجيوش عن أبي يزيد وحصره إياه، إلى أن قتل أبو يزيد لخمس ليال بقين من المحرم سنة 336، وإن عدة من وقع عليه الإحصاء ممن قتل في تلك الحروب نحو من أربعمائة ألف ووفاة إسماعيل ومصير الأمر بعده إلى ابنه أبي تميم معد بن إسماعيل إلى هذا الوقت، وغير ذلك من الأخبار مما شرحناه وبينها في كتاب تقلب الدول، وتغير الآراء والملل وإنما نذكر في هذا المختصر لمعاً وجوامع، استذكاراً لما تقدم تأليفه من كتبنا في هذه المعاني، وتنبيهاً عليه.
وقد رأينا بعض المتأخرين ممن ينحرف عن الهاشميين الطالبيين منهم والعباسيين، ويتحيز إلى الأمويين، ويقول بإمامتهم، يذكر أنه كانت لمن ملك من بني أمية ألقاب كألقاب خلفاء العباسيين، وذكر في ذلك روايتين إحداهما قال روى محمد بن عبد الله بن محمد القرشي، قال حدثنا مصعب بن عبد الله عن أبيه عن جده. قال حدثني سابق مولى عبد الملك بن مروان. قال سمعت أمير المؤمنين عبد الملك يقول: تلقب أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان بالناصر لحق الله ويزيد بن معاوية بالمستنصر على الربيع ومعاوية ابن يزيد بالراجع إلى الله ومروان بالمؤمن بالله والثانية. وقال حدثنا أبو مطرف عن أبيه عن جده. قال: تلقب عبد الملك بالمؤثر لأمر الله والوليد ابن عبد الله بالمنتقم لله ولقب سليمان بن عبد الملك بالمهدي لما أحدث من قطع ما كان على المنبر، وعهده إلى عمر بن عبد العزيز، وتلقب هو بالداعي إلى الله وعمر بن عبد العزيز بالمعصوم بالله ويزيد بن عبد الملك بالقادر بصنع الله وسمي هشام بن عبد الملك بالمنصور وذلك أنه ولد في الساعة التي ورد الكتاب فيها بما كان من مقتل مصعب بن الزبير، فلما قدم أبوه جيء به إليه وخبر باسمه، فقال ليس هذا من أسمائنا بل سموه باسم جده لأمه من آل الله وتلقب الوليد بن يزيد بالمكتفي بالله ويزيد بن الوليد بالشاكر لأنعم الله وإبراهيم بن الوليد بالمتعزز بالله ومروان بن محمد بالقائم بحق الله وكان عبد العزيز بن مروان إذ كان ولي عهد يدعى له على المنابر بالمعظم لحرمات الله وكان مسلمة بن عبد الملك لما بنى مدينته التي على خليج القسطنطينية سماها مدينة القهر، وتسمى القاهر بعون الله قال المسعودي: وهو إن جاء بهاتين الروايتين فإن الكافة على خلافه، فلو كان الأمر على ما ذكر لظهر واشتهر واستفاض، وجاء في الأخبار المنقولة القاطعة للعذر والأعمال الموروثة، فلما لم يذكره الجمهور من جملة الأخبار ونقلة السير والآثار، ولا دونه مصنفو الكتب في التواريخ والسير ممن ذكر أخبارهم ووصف أيامهم ممن تولاهم وانحرف عنهم علم أن ذلك لا أصل له ورأيت في سنة 324 بمدينة طبرية من بلاد الأردن من أرض الشأم عند بعض موالي بني أمية ممن ينتحل العلم والأدب ويتحيز إلى العثمانية كتاباً فيه نحو من ثلاثمائة ورقة بخط مجموع مترجم بكتاب البراهين في إمامة الأمويين ونشر ما طوي من فضائلهم أبواب مترجمة ودلائل مفصلة يذكر فيه خلافة عثمان ابن عفان ومعاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان ومن تلاه من بني مروان إلى مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، ثم يذكر عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، وأن مروان بن محمد نص عليه وعهد بالأمر بعده إليه، وينسق سائر من تملك الأندلس من بني أمية من ولد عبد الرحمن المقدم ذكرهم، إلى سنة 310.
وذكر عبد الرحمن بن محمدالوالي عليها في هذا الوقت، وهو سنة 345 ووصف لكل واحد منهم فضائل ومناقب وأموراً استحق بها الإمامة، ونصوصاً على أسمائهم وأعيانهم، وادعى الأخبار المتواترة الجائية مجيء الاستفاضة، وعزى ذلك إلى شيعة العثمانية ورجال السفيانية وأنصار المروانية، معارضاً لأهل الإمامة وهم جمهور الشيعة في المنصوص والنقل، ومستدلاً على فساد أقاويل أصحاب الاختيار من المعتزلة والزيدية والخوارج والمرجئة والحشوية والنابتة، ومناقضاً لأصحاب النص على أبي بكر من أصحاب الحديث، وأتى بمسائل ومعارضات على من ذكرنا وإلزامات.
وذكر من بعد ذلك أخباراً من أخبار الملاحم الآتية والأنباء الكائنة مما يحدث في المستقبل من الزمان والآتي من الأيام من ظهور أحدهم ورجوع دولتهم، وظهور السفياني في الوادي اليابس من أرض الشأم فيغسان وقضاعة ولخم وجذام وغاراته وحروبه ومسير الأمويين من بلاد الأندلس إلى الشأم، وأنهم أصحاب الخيل الشهب والروايات الصفر، وما يكون لهم من الوقائع والحروب والغارات والزحوف ولم يذكر في هذا الكتاب هذه الألقاب ولا شيئاً منها.